سـيـارة الـخـردة

12 سبتمبر 2010
29
0
0
سـيـارة الـخـردة

بقلم : هشام ابراهيم الاخرس - البستنجي



عندما كنّا صغاراً كان هناك سيارة بك آب تشتري وتجمع الخردوات و تدور في أرجاء عمان و كانت وحيدة لا غيرها وكانت تأتي لحارتنا يوماً واحد في الأسبوع و كانت حصة حارتنا يوم الاربعاء من كل أسبوع وكنا ننتظرها بشغف .
تشتري السيارة كل شيئ من خردوات حارتنا وتشتري قضبان الحديد المهترئة و علب الصفيح و الشباشب البلاستيكية و اسلاك النحاس و علب البيبسي الفارغة و صحون و طناجر المنىوم مطبقة بخبث كان قد باعها رب أسرة ذات طفر و اعلن امام السيارة بأنه باعها ليسر حال و أنه سيجدد أغراض المطبخ فقط .
كان الأطفال العابثون أمثالي يسرقون الأحذية من هنا و هناك و كنا نجمعها مع بعض خردة الحديد و الالمنىوم و بواقي علب الصفيح و كان لكل واحد منا مكان يخزن فيه ما جاد به السيل لحين حضور سيارة الخردة .
كنا نبيع أشيائنا لسيارة الخردة خلسة و نستحي من الوقوف أمامها خوفا من أن يشاهدنا احدآ من أهالينا لأنه إذ ما شاهدنا احد فأنه يتحتم علينا الجلوس لساعات طوال امام لجان التحقيق المكونة من الأب و الأم و الأخ الكبير إن وجد و احد الأعمام و تكون جلسة تحقيق و مسائلة و حلف يمين بأن احدنا لم يمس أي شيئ من أشياء بيتنا .
كنت انافس جميع الأطفال في حجم مبيعات الخردة و كنت اكثرهم جمعآ للخردة و المال وأذكر أن اكبر مبلغ حصلت عليه كان اربعة دنانير دفعة واحدة ، وكان رقمآ مهول جدآ بالنسبة لي و بدون أدنى وعي ركبت سرفيس حارتنا و توجهت لوسط البلد و اشتريت أشياء كثيرة و خضروات حتى ما عدت قادرآ على حملها ، ولم تسألني امي وقتها من أين لك هذا لفرط الحاجة و لتعب السنون اليابسات .
كان هناك طفل واحد ينافسني في جمع الخردة و أسمه علي عبد الهادي و أذكر انه باع لسيارة الخردة بمبلغ ثلاثة دنانير و نصف مما جعلني اموت غيضا و اتفجر حسدآ و بغضآ حيث كنت امكت طفولة هذا العلي لأنه ايضآ كان يسبقني في بعض الأحيان على تجمع النفايات ( المزابل ) و في بعض الأحيان كنت اشاهده قبلي عند حاويات عبدون الجميلة و المنسقة و التي كانت تحوي لنا الفرح و المفاجئة لأن ثمة في كل كيس مفاجئة و تكون العملية كلها أنت و حظك .
تمر السنون العابسات و لازلت اذكر سائق سيارة الخردة الذي كان يتفاجئ بجمال خردواتي و يسألني بخبث ( وين لقيتهم يا شاطر ) في أشارة واضحة بأنه يريد أن يسرق المكان مني لكني كنت أشد خبثآ منه حيث كنت أقول له :
انا أشتريتها من لولاد
سنون مرت و لا زلت أذكر احمد أخي و جلال و يوسف الفحل حيث كان أحمد يترأسهم في رحلات الغزو على حاويات عبدون و كيف كان في كل مرة يأكل حقهم و يأتي الينا بكيس مليء بالالعاب و الأشرطة و الشمع وأذكر مرة أن احضر لنا جاتوهات وكيك وبواقي طعام فاض ليلة عيد و كان أبي في كل مرة يقول له : والله انك شاطر يا احمد
و من القصص المضحكة التي حصلت مع احمد أخي و جماعته ان شاهد جلال طرف مسجل لونه احمر ظاهر من طرف الحاوية و كان جلال الأقرب للحاوية فصاح بقوة :
يا الله مسجل
فأسرع بأتجاه الحاوية و لكن قبل وصوله بأمتار لاحظ موج هادر من خلفه مع صوت وحش قد انقض عليه و طرحه ارضآ و سبقه للمسجل و التقطه بقوة و ظل مسرعآ حتى وصل البيت غير آبه بما حصل لزميله الذي و صل متأخرآ بعده و يعاني من رضوض و خدوش في كل اجزاء جسمه .
سنون عابسات يابسات مرن علينا و كلهن تعب ممزوج بالأمل الموعود و الغد الجميل الذي كان يزورنا في أحلامنا المتنوعة فكان حلمي أن أقهر الفقر اللعين و ادوس عليه بقوة المثابر وكان ، و من الفارقة ان الطفل علي عبد الهادي كان يحلم أن يصبح تاجر خردة كبير و كان ، حتى يقهر تاجرنا القديم الذي كان يضحك على طفولتنا و يسلبنا أشيائنا بأبخس الإثمان .
مرت السنون على مهل على مهل حتى تعشعشت الذكريات في اطراف العقل والبال وكانت حكايات لا تنسى .



هشام ابراهيم الاخرس
شبكة الشباب الإخبارية