رسائل من تحت وفوق الانقاض ( 3 )

الميثاق

عضو جديد
18 أكتوبر 2009
15
0
0


الرسالة الثالثة من تحت الأنقاض

صديقي العزيز: كنت قد ذكرت لكََ في رسالتي الأخيرة أنني سأضع قلمي جانبا لأن كل ما يحيط بي يدفعني إلى الركود والسبات واللجوء إلى الملاجيء الحصينة طلبا للحماية وتخليص نفسي من الأخطار التي تسببها السيارات الملغمة والعبوات الناسفة المزروعة هنا وهناك وشرّ الانتحاريين المتحزمين بالمواد الناسفة.
كما انني بدأت أخاف ركوب الباصات العامة في تنقلاتي لأنها أيضا قد تنفجر في أية لحظة وأواجه مصيرا مظلما نتيجة كيس من المتفجرات يتركه أحدهم ويغادر الباص ليفجره عن بعد وكأن من في الباص هم من المحتلين أو الذين هتكوا الحرمات واعتدوا على العِرض والمال، هذا وغيره يجعلني مشغولا ومهموما لا يساعدني الزمن والهِمة لكي أمسك بالقلم وأكتب لكَ كما كنت في السابق.
ولكن غيرتي على بلدي وأهلي وعلى الحقيقة، جعلتني أتمالك وأسيطر على ما وهبني الخالق من أعصاب وأستجمع بنات أفكاري واستعرض صور المآسي والمشاهد المؤلمة التي تمرّ أمام عيني ولست بحاجة إلى عناء كي أبحث وأستقصي أو أن أستمع لأخبار الحوادث، لأنها تحدث في كل مكان وزمان، فلا نكاد نبدأ يومنا إلا وكأن المسّحراتي قد باشر عمله وكأننا في الأيام الرمضانية الجميلة فأصوات الإنفجارات وقنابر الهاون نسمعها؛ منها ما يطير من منطقة قريبة علينا، ومنها ما يتساقط هنا او هناك ولا نعلم أين لأننا لا يمكننا الخروج والتحري، لكن الأخبار غالبا ما تصل ونتيقن من الأضرار والأماكن وعن عدد الضحايا والعوائل التي تضررت وفقدت من أبنائها أو المعيل الوحيد لها، أو عاملا بأجور يومية كان ينتظر من يعجبه منظره وجسمه القوي القادر على تحمل الحرّ والبرد والتعب والإرهاق طوال يوم عمل مضنٍ، هؤلاء الناس البسطاء أصبحوا أيضا أهدافا لشرِّ عمَّ وناراً أتت بل أنها مستمرة بإحراق كل شيء، إنه يا عزيزي طوفان من النار، كتلة هائلة محرقة لا تعرف ما تحرقه أو ما تحطمه أو ما تتركه رمادا سواءَ كان ذلك بشرا أو ممتلكات أو معدات.
هل تتذكر شارع السعدون والمقهى البرازيلي الذي كنا نقضي فيه أوقاتا بريئة نستجمع قوانا بعد يومَ عملٍ متعب أمضيناه في هدف نافع ومنتج لأنفسنا وبلدنا والمجتمع الذي انبثقنا منه، هذا الشارع يا عزيزي أصبح مقفرا مليئا بالحواجز الكونكريتية وواجهات محلاته ليس فيها منظرا لنشتهي الوقوف امامها كما إنها مظلمة بدون إنارة لأن الكهرباء لا تأتي إلا نادرا، والأشرار يجوبون الشارع جيئة وذهابا لرصد هدف دسم وسمين؛ تاجر كبير ... رجل غني ... صاحب محل مملوء ببضاعة ثمينة ... صائغا للذهب ... وأمثال هؤلاء لأن في مثلهم يتوفر الصيد الثمين وبصيدهم والمساومة بمصيرهم يتم الحصول على أموال طائلة، ويا ليتهم يصرفونها على أولادهم وعلى التربية أو التثقيف أو لخدمة المجتمع أو حتى لطرد المحتلين. لأن هذا مالٌ حرام تم أخذه دون رضى صاحبه فلا يستمر في جيوب الذين يحصلون عليه وإنما يتم إنفاقه على الملّذات وبطريق حرام تماما بنفس الأسلوب الذي تم الحصول عليه.
فما الذي أكتبه لك عن هؤلاء وعن قصص لضحاياهم، هل تعلم ان الكثيرين أُجبروا على أيقاف تعليم اولادهم وحبسهم في البيوت لأن آبائهم ميسورين وإن لم يستطع الأشرار خطف الوالد فإنهم يبحثون عن الأبناء!!! هل تعلم أن الشر دخل حتى أروقة الجامعة وحتى صناديق الطلبة تلك التي يستخدمونها لحفظ كتب أو لوازم دراسية لم تسلم من الشر واستخدمت لنشر ثقافة القتل والدمار فطلاب كلية طب الأسنان يصرخون مستفسرين عن الذنب الذي اقترفوه ليفقدوا عدد من زملائهم في وضح النهار وهم يهمون بفتح هذه الصناديق لأخذ حاجياتهم منها!!!
وماذا بعد يا عزيزي لأنك تريدني كما حدثتني بأنك ترغب بالاطلاع على المزيد وبالتفاصيل، لكنني أرجو منك المعذرة لأنني لن أذكر لك الأسماء حتى لا أثير شجون اهلهم أو بالحقيقة ما تبقى منهم، لأن صوت العويل والبكاء تسمعه بوضوح بعد كل رشقة قوية من الرصاص الذي يحصد دون هدف وحتى لو كان الهدف محدد مسبقا فذنبه انه كان يطبق الأوامر الصادرة إليه من رئاسته التي يعمل تحت أمرتها.
فأنت كنت معي عندما كان بلدنا مبتليا بالحروب وبأشباه حروب، وكنت تعلم كيف أن المفارز الخاصة كانت تقف في طريق من يحاول الانسحاب وترتيب وضعه أبان المعارك الضارية، فمن لم يمت في القتال كان مصيره الاعدام في الساحات الخلفية، فما ذنب هؤلاء لكي يكونوا اليوم أهدافا أيضا يتم تصفيتهم لأنهم شاركوا في قتال هذه الدولة أو تلك؟ في حرب الشمال أو بعد هزيمة الكويت، إنها المأساة التي ابتلينا بها، ففي كل الأحوال الموت هو المصير المحتوم وأنت كنت تعلم أن السلطة في حينها لم تكن ترحم أحد، وكم كنا نناقش الوضع وبصوت خافت مخافة أن يسمع نقاشنا احد وكنا دائما نستنتج أن الحالة ميئوس منها لأن النتائج واحدة دائما.
وعندما كنتَ بعيدا عني واستبشرنا خيرا بحدوث التغيير وأن الثقل قد تم أزاحته عن صدور العراقيين، وكما تبادلنا الحديث بعد البركان الذي عصف بالعراق بعد ربيع 2003، ولازلتُ أذكر اللحظات التي اتصلت بك ... حينها غلبتنا الدموع لأنك لم تكن متيقنا أنك ستسمع صوتي مجددا خاصة بعد أن كنت تشاهد ما يجري عندنا ... وهل تتذكر أن الدموع والعبرات خنقت صوتينا وأجهشنا في البكاء ونحن نحمد الله أننا خرجنا بالسلامة من هول المأساة مما يعني أن مازال في العمر بقية.
هل تتذكر كم تحدثنا بعد ذلك عن الأحلام والمشاريع التي نحملها في عقولنا وذواتنا لكي نحقق الأحلام التي بقيت حبيسة في صدورنا ولكنها لم ترى النور مطلقا، حينها قلتُ لك لم يعد من سبب كي نتردد ونتقاعس ونجلس لأن العراق أصبح حراً وجيوش العالم قدِمت وأصبح كل شيء مباحا، فعدد الجرائد لا يعد ولا يحصى ولا من رقيب أو من مقص يحدد نوع الكتابة واتجاهها، وافتهمنا أنها الحرية التي دخلت معتركها ولم تعد الخدمة الإلزامية بعبعا أمامنا يقضي على مخططاتنا قبل تنفيذها.
لكن العراق يا عزيزي والأحلام فيه بقيت أحلاما مكبوتة ويصعب أخراجها من الصدور إلى عالم الحقيقة، فقد لجأت السلطات إلى بناء الجدران الفاصلة ما بين حي وآخر، سنصبح عبارة عن كنتونات صغيرة محاصرة ويسهل لمن يريد الانتقام منا أرسال عدد من القذائف لكي يحصد ما يشتهيه من عدد لأننا سنكون محاصرين بالجدران الجديدة، وإلى أن تسنح لي الفرصة سأكتب لك مجددا وأرجو أن لا تسكت لأنك تعيش في مكان يحضى بالحرية والأمان وأرجو أن ترفع صوتك عاليا لأننا هنا في طريقنا إلى الفناء وتقبل تحيات أخيك.

صديقك عبدالله النوفلي
بغـــــــــــــــــــداد – العـــــــــــــــــــــراق
*****
الرسالة الثالثة من فوق الانقاض
صـــــــباح ســـــــــعيد الزبيــــــــدي

صديقي الوفي ..
كما ترون نحن في أزمة جدية حيث يحاول بعض المرضى خلق اوضاع شاذة في بلادنا ويسعون الى ترسيخ الطائفية والتفكك على صعيد الوطن والناس وهكذا اصبحت الايام في عراقناعزاء فعزاء فعزاء.. لذلك نحن اخوانك واصدقائك في الغربة ومنافي البعد و الالم والعذاب لم نخرس السنتنا ولم نجفف اقلامنا بل رفعنا صوتنا عاليا لفضح خططهم المرضية الطائفية ولازالت اقلامنا تكتب لغة الخير للناس من اجل إنقاذ الشعب العراقي من براثن الإرهاب وفرق الموت الطائفية التي تسعى لمعاقبة الشعب وتدمير العراق عبر طرق ووسائل هدفها جعل العراق ساحة منازلة وتصفيات حسابات إقليمية ودولية ليتسنى لها الكسب غير المشروع على حساب مآسي الشعب العراقي المظلوم ومقدار ما تستفيد منه ببقاء الاحتلال لكي يكون حجة ومبرراً لوجودها وديمومتها كذلك نسعى لمساعدة شعبنا وبلدنا وتقديم الدعم والمساندة للتخلص من الإرهاب والمحاصصة الطائفية والاحتلال فإن نجحنا كان عز مانريد وإن لم نفلح فلدينا آمال وطيدة في غد شعبنا وقواه الوطنية الحرة.

نعم ياصديقي قد تنفطر قلوبنا حزنا..على فراق أو وداع شخصاً أحبنناه ثم فقدناه إلى الابد... لإن الموت لابدّ منه وهوحاضر باستمرار في الحياة البشرية ولكن الصدمة الكبرى عندما يرحل دون ان نودعه.. وخاصة عندما يقتل في ظهيرة الرماد ولم يزل بعد فتيا .
وهكذا تمر علينا لحظات حزينه .. عندها تنهار شلالات الدموع فى العيون ونضيع في ازقة الالم والحزن و أنين صمت القبور..
ولكن ياصديقي إن الدموع التي نسكبها في آلامنا فإن الله يراها ويحفظها ويمسحها من عيوننا في الوقت المناسب ..
لذلك ينطبق علينا وعد المسيح عليه السلام : "طوبى للحزانى لأنهم يتعزّون"
وهذا تأكيد لكل مؤمن حزين، أنه يمسح له دموعه ويمنحه تعزية بالروح القدس - الروح المعزي - وتكتمل تعزيتنا في السماء بلقاء الأحباء الذين سبقونا.
ان مسلسل العنف والإرهاب والتفجير والقتل اليومي الذي نشاهده كل يوم في عراقنا الجريح والذي ترتكبة عصابات القتل وجماعات دينية متشددة تظلم الناس وتقتلهم باسم الله والدفاع عن الدين وحمايته اصبح يقلقنا ويترك علامة استفهام على مصيرنا ومستقبل الأجيال التي تأتي من بعدنا. . لانهم جعلوا من الموت في العراق وجبة الحياة اليومية، وسلطة الآخرين الأقوى .
لذلك يتطلب من الجميع ان يصرخوا عاليا من اجل إيقاف دوامة الموت اليومي في العراق. . و أن يكون الهدف الأول والسريع الواجب تحقيقه .
ولابد من توجية السؤال .. لماذا نزيف الموت اليومي هذا و لماذا يموت الناس هذه الميتات الرخيصة، والتي لا معنى لها؟.
اما طلبك ان اتذكرك وانت في وسط خط النار وفي وادي الموت الرصاصي .. اود ان اقول .. لا ياصديقي مانسيتك والله...
فالصداقة شئ جميل وعندما تكون الصداقة ممزوجة بالاخوة والعطاء يكون لها طعم آخر فقد عشنا اياماً جميلة في احضان الوطن واسأل الله ان يديم علينا صداقتنا واخوتنا .

واخيرا وبقلب صادق لنوحد جهودنا لازالة العنف والإرهاب وترسيخ كل ماهو وطني ويوحد الشعب ولايفرق شمله وترسيخ الديمقراطية والتسامح والمحبة ولنواصل مسيرتنا في الخير والسلم والديمقراطية ولنعمل من اجل لغة الحوار والتسامح والمحبة واحترام حقوق الانسان.

اخوكم
صـــــــباح ســـــــــعيد الزبيــــــــدي

بلغــــــــــــــراد – صــــــــــــــــربيا