الرسالة الثانية من تحت الأنقاض

الميثاق

عضو جديد
18 أكتوبر 2009
15
0
0


كثيرين في هذا الزمان وصفوا الأحداث والوقائع التي تحدث في كل لحظة وآن، ووثّقوا ما يجري لبلدي، وكذلك أفضّل أنا أيضا أيها العزيز لكي أطلعك على ما يعانيه بلدي وعن البكاء والعويل الذي ينتشر في الرامة ويغطي جميع أحياء البلد وتسمع صوته من بعيد وعن المؤامرات التي حيكت ومازالت مستمرة كي تخنق الفرح وتغتال الأحلام بل تستأصلها من العقول.
فقد ملَّ العالم من آشور وأصبحت بابل مثار قلق لهم، وسومر أقلقت الدنيا، والفيحاء وأم الربيعين أصبحن بنظر العالم من الخارجات على القانون ومستوجبات العقوبة وشعبي أيها العزيز أصبح هباءا منثورا وعبارة عن أشلاء من اللحم لا نستطيع حتى جمعها لأن الانفجارات تبعثرها في كل مكان؛ فوق السطوح وفيما بين المباني والآلات، والدماء تسيل كالشلالات ولا من ضمير يتحرك ولا من عمل جدي يحقن هذا النزيف أو أقله أبداء المحاولة لإيقافه.
وطني أيها الصديق العزيز مليء بالكنوز والآثار تماما كما امتلأ اليوم بالمفخخات والعبوات الناسفة وكما كنا معا نسير ونستطلع شوارع بابل التاريخية وأطلال عكركوف ونندهش، هكذا الناظر اليوم يتعجب وبشدة، فالجسر الذي كان يربط الرصافة مع توأمها الكرخ قد انقطعت أوصاله رغم انف كل الخطط الأمنية، والحكومة التي مضى عليها ردحا من الزمن تعمل وتخطط ومن المفروض أن تزداد قوة وتأثيرا لكن يبدو أيها العزيز أنها تمشي خطوة واحدة إلى الأمام يقابلها خطوتين إلى الوراء، فلما كنا نسمع عن منطقة خضراء وقلعة حصينة وواحة للأمل، كنا ونحن البعيدين عنها نأمل يوما أن يصبح العراق بأجمعه مثلها، لم تعد هكذا؛ فقد دخل الشرّ في عقر دار الحكومة والنواب الذين كانوا يتحصنون هناك ونحن العامة نتأمل أنهم يفكرون بأمان ودون خوف أمتلأت بنايتهم هي الأخرى من الدماء والغبار.
فماذا أكتب لك أيها الأخ العزيز؟ إن حكومتنا تفرض القانون وتطبق نظام الفردي والزوجي في الشارع، لكن الشر يقتل دون نظام، فأنا سيارتي ينتهي رقمها بالرقم الزوجي وأنا خائف أن تكون نهايتي بالرقم الفردي!!!
وماذا بعد فقد أصبح استمرار الطاقة الكهربائية حلما، ومحاولتي الاستفادة من كامل الوقت كما عهدتني تذهب باستمرار أدراج الرياح فها أنني أكتب لك هذه الكلمات على ضوء (اللالة) هذه الصديقة التي بات شعبي يتغنى بحبها وهو يرى العالم ينتج الطاقة الكهربائية بواسطة الذرة ووسائل عجيبة كثيرة ومنها الشمس التي نمتلك منها الخزين الهائل حتى أن وجوهنا تحترق صيفا من شدة حرارتها بحيث نستغني عن السخانات صيفا لأننا نستحم بماء يغلي وبصورة طبيعية.
وكل ذلك وأنت تطالبني أن أفرح وأبتهج لأن الديكتاتورية قد ولّت وأمريكا أستوردت لي بديلا عنها وهو الديمقراطية وعندما يتم سرقة دوائر الدولة وتُنهب على مرأى منهم أسمعهم يقولون: دعوهم يمارسون الديمقراطية أو انهم كانوا تحت الكبت والحرمان لينفسوا عن أنفسهم!!! وكأن النظام والقانون اللذان يوفران الأمن والطمأنينة أصبحا فقط لدى الحكومات الديكتاتورية، أم فقط نحن في هذا البلد يجب أن نعيش حالة شاذة بعيدة شكلا ومضمونا عما يعيشه العالم وكما تراه أنت أيها العزيز الجالس في دول العالم المسماة بالديمقراطية.
إننا يا عزيزي أصبحنا حبيسي البيوت وحتى هذه نخاف أو نشك أنها قد تحمينا وتنجينا من نار جهنم التي تزداد استعارا في الخارج، فها أن الأخبار تزداد سوءا فقد قُتل جاري وخطف آخر والأبعد فقد رجله، وهناك من خسر عينه وآخر أصبح مقعدا ... والكآبة والقلق النفسي أصبحا من الأمراض المزمنة والشائعة رغم ان دوائر البلدية تعمل جاهدة لكي تجعل من الأرصفة منتزهات وتزرع فيها الخضرة والأزهار وتضع الأرائك والمساطب وتُصنّع النافورات ... لكننا نخاف أن نرتادها لأن في الشارع والرصيف توجد رائحة كريهة للموت والخطر الدائم الذي لا نعرف متى سيندلع ومن سيكون الضحية الجديدة؟
فطلبي منك أن تتذكرني وتتذكر ما كنا عليه وكيف كنا نعمل ونجتهد لكي نحضى بالنصيب الأوفر وكم كنا نتنافس ونناقش، نختلف أحيانا ونتفق في أحيانا أخرى، وكل ذلك من أجل الخير والصلاح، أطلب منك أن تعمل جهدك وأنت بعيد عني من أجلي ومن أجل أخوتك وأهلك هنا لأننا أصبحنا وقودا لنار لا تطفأ.
أدعوك أن تصرخ عاليا ... فلربما تنتبه منظمة أو دولة أو قد يصل الصراخ إلى الخالق الذي وضع بشرا في هذه البقعة من الأرض وهم يأملون أن يشملهم عدله ورحمته، أرفع الصلوات واشعل الشموع لكي نحافظ على ما تبقى، فها أنني قد كتبت لكَ كي لا تقول يوما أن صديقي لم يذكر لي شيئا، فأنا قد بلّغت وسيكون قلمي مركونا جانبا لأنني لا أعلم متى سأستخدمه ثانية فكل همي هو أن أحمي نفسي من اللحظة القادمة. فصلي من أجل وإلى اللقاء

صديقك عبدالله النوفلي
بغـــــــــــــــــــــداد - العــــــــــــــــــــراق

*************
الرسالة الثانية من فوق الانقاض
صـــــــباح ســـــــــعيد الزبيــــــــدي

صديقي العزيز ..
اطلعت على رسالتك الثانية والتي وصفت لي فيها الاحداث والوقائع وما يمر به عراقنا الغالي من مؤامرات وفتن وتدمير واعمال ارهابية همجية جبانة على ايدي اعداء الانسانية ومن قبل عصابات القتل الطائفية وكذلك وضحت لي فيها عن معاناة شعبنا العراقي المظلوم وبكافة اطيافه وحرمانه من ابسط حقوق ومقومات العيش الكريم والحياة الحرة السعيدة.. واعلم من انني وكل الاخوة الشرفاء في الخارج ننزف دما ونمر بلحظات مرارة والم لما يحدث في عراقنا الجريح ..
ونذرف دموع الشوق والحنين بلا انقطاع إلى الأهل والوطن ، ونتذكر بدر شاكر السياب حين يئن حنينا للعراق..
لأنّي غريب
لأنّ العراق الحبيب
بعيد و أني هنا في اشتياق
إليه إليها أنادي : عراق
فيرجع لي من ندائي نحيب
تفجر عنه الصدى
أحسّ بأني عبرت المدى
إلى عالم من ردى لا يجيب
ندائي
و إمّا هززت الغصون
فما يتساقط غير الردى
حجار
حجار و ما من ثمار
و حتى العيون
حجار و حتى الهواء الرطيب
حجار يندّيه بعض الدم
حجار ندائي و صخر فمي
و رجلاي ريح تجوب القفار
**
لذلك ومن لحظات الالم وقسوة الغربة اكتب اليك هذا الرد على رسالتك الثانية من تحت الانقاض واقول لك ياصديقي ..
أن الذي لم يجرب الغربة لا يعرف مدى المعاناة النفسية التي يواجهها الغريب في غربته…
اخي النبيل ..
في رسالتي هذه اود ان اوضح لك قضية المواطنة بين الداخل والخارج وضمن اسس المواطنة وهي : الانتماء للوطن، والمشاركة، والمساواة، واعني بها تأثير وجود المواطن داخل أو خارج الوطن على حقوقه التى يجب أن يحصل عليها كونه يتمتع بالمواطنة. فالملاحظ أنه على الرغم من تدنى حقوق المواطنة فى الداخل أمام المواطنين العراقيين، والخلل الهائل فى مبدأ المساواة فى الحقوق والواجبات، فإن أغلب المواطنين العراقيين الموجودين فى الخارج محرومون من كثير من هذه الحقوق سواء كانوا من العراقيين المقيمين فى دول أخرى أو من العراقيين الحاصلين على جنسيات دول أخرى ويعيشون فيها. من هذه الحقوق: حق الرعاية من جانب الدولة الأم، وحق المشاركة السياسية وخاصة حق الانتخاب، وحقوق مزدوجى الجنسية وغيرها.
وهناك جملة من الانتهاكات لحقوق الانسان التي تعرض ويتعرض لها المواطن العراقي في الخارج من جانب الدولة الام وهى:
أ . حرمان المواطن العراقي المقيم في خارج العراق في التمتع بالحقوق الاساسية والدستورية ومنها :
حق المواطن العراقي المقيم فى الخارج فى التمتع بالحماية الدبلوماسية. ويلاحظ أن حق الحماية الدبلوماسية مقرر فى القانون الدولى لكل دولة بشأن حماية حقوق رعاياها فى الخارج وعلى هذه الدول الالتزام بوضع تدابير خاصة لتمكين المواطنين بالخارج فى الحصول على حقوقهم كاملة ومع الاسف ولغاية هذه اللحظة لم يتمتع المواطن العراقي المقيم في الخارج بما ذكرته اعلاه ومااعرف جناب السيد وزير خارجية العراق متى يحل هذه المشكلة ولماذا لايغلقون هذه السفارات التي تكلف ابناء الخايبه ( اقصد ابناء العراق في الداخل ) عملة صعبة هم بحاجة لها بدلا من تبذيرها في الخارج على ايجارات مقر للسفارات ورواتب للعاملين فيها وتوفير متطلبات المعيشة والسكن لهم .
كل هذه الانتهاكات تحدث دون رعاية أو تدخل من قبل الدولة الأم لحقوق مواطنيها فى الخارج بما ينتقص من حقوقهم كمواطنين ويتعارض مع مبدأ المواطنة الذى يجب أن يحكم العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
ب . حق المشاركة السياسية:
ممارسة حق التصويت والانتخاب والترشيح:
يواجه العراقيون فى الخارج حالة حرمان حقيقى من حقوقهم السياسية كمواطنين عراقيين، وبالذات حق المشاركة السياسية وعلى الأخص المشاركة فى الانتخابات العامة. هذا الحرمان قد ينظر إليه البعض كونه حرماناً نسبياً مقارنة بالممارسات المشوهة داخل العراق لحق الانتخاب وحق الترشيح على نحو ما كشفت عنه التطورات السياسية العراقية الأخيرة حيث كان الحرمان الفعلى من نصيب اغلب العراقيين نظراً للانتهاكات والتجاوزات الهائلة التى حالت دون ممارسة العراقيين لحقهم الشرعى فى انتخاب من يحكمونهم ومن يمثلونهم فى البرلمان، ولكن ما يعانيه العراقيون المقيمون فى الخارج من حرمان هو حرمان مضاعف، فهو حرمان من حق المشاركة، وحرمان من عملية المشاركة ذاتها، أى أنه حرمان قانونى وسياسى معاً. وقد نصت المادة 20 من الدستور العراقي الجديد بما يلي :
للمواطنين رجالاً ونساءً، حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح.
وهذا حصل للمواطن العراقي المقيم في صربيا حيث حرم من ممارسة حق التصويت والانتخاب والترشيح.
إن هؤلاء العراقيين الذين هاجروا من العراق ولم يفرطوا فى جنسيتهم قد هاجروا لأسباب مشروعة بعضها دراسي او سياسى والآخر اقتصادى او امني او قسري واستقروا فى دول أخرى، لم يتهاونوا فى واجبات المواطنة، ولم يتزعزع عندهم الولاء الوطنى بدليل حرصهم الشديد على التمتع بحقوق المواطنة العراقية.
إن كل أشكال التمييز التى تمارس ضد العراقيين الذين يعيشون فى الخارج سواء كانوا من المقيمين فى دول أخرى عربية وغير عربية أو المتمتعين بجنسية دولة أخرى ولم يفرطوا فى جنسيتهم العراقية، تتعارض مع مبدأ المواطنة وحقوق المواطنة، الأمر الذى يفرض ضرورة الأخذ بمبدأ المساواة فى الحقوق والواجبات وأن يضع المشرع العراقي حقوق كل هؤلاء العراقيين فى الاعتبار وبالذات حق المواطنة وما يرتبه من حقوق أخرى سياسية وغير سياسية.
واخيرا لنتذكر ماقاله السياب :
أيخون إنسان بلاده؟
إن خان معنى أن يكون ، فكيف يمكن أن يكون ؟
الشمس أجمل في بلادي من سواها ، و الظلام
.حتى الظلام - هناك أجمل ، فهو يحتضن العراق
واحسرتاه ، متى أنام
فأحس أن على الوساده
ليلك الصيفي طلا فيه عطرك يا عراق ؟

مع تمنياتي لك بالتوفيق ودعائي الخالص لك ولكل لعراقيين بالموفقية والسداد والامن والسلام.
اخوكم
صـــــــباح ســـــــــعيد الزبيــــــــدي

بلغراد – صربيا
sabah@sezampro.rs