شرح قصيدة بانت سعاد للشاعر كعب بن زهير

Zohoor Alreef

عضو جديد
23 نوفمبر 2018
182
1
0
33
شرح قصيدة كعب بن زهير بانت سعاد

2860-cached.jpg


كعب بن زهير
هو كعب بن زهير بن أبي سُلمى، شاعرٌ ابنُ شاعرٍ، أمه كبشة بنت غطفان، شاعرٌ مخضرمٌ، عاش في الجاهلية وفي عصر صدر الإسلام، وكان شاعرًا معروفًا في الجاهلية، هجا الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وشبّبَ بنساء المسلمين، فأهدر النبي -صلى الله عليه وسلم- دمه، فجاءه مستأمنًا، فأمنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأسلم بين يديه وأنشده قصيدته المعروفة “بانت سعاد”، والتي يُطلق عليها أيضًا لامية كعب، وفي هذا المقال سيتم التعريف بمناسبة القصيدة وشرحها شرحًا مضمونيًا.

شرح قصيدة بانت سعاد
بعدما سمع كعب بن زهير خبر إسلام أخيه بُجَيْر وبّخه واستحثه على الرجوع، ثم هجاه وهجا النبي -صلى الله عليه وسلم- فبلغ ذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- فأهدر دمه، وأصبح يتنقل بين القبائل لتجيره فلم يجره أحدٌ، فنصحه أخوه بالمجيء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- مسلمًا تائبًا، فأتى المدينة وبدأ بأبي بكر، فلما سلّم النبي -عليه الصلاة والسلام- من صلاة الصبح جاء به وهو متلثم بعمامته، فقال: يا رسول الله، هذا رجل جاء يبايعك على الإسلام، فبسط -صلى الله عليه وسلم- يده، فحسر كعب عن وجهه، وقال: هذا مقام العائذ بك يا رسول الله، أنا كعب بن زهير ، فأمنه النبي -صلى الله عليه وسلم- فأنشده قصيدته المشهورة بانت سعاد، وفيما يأتي شرح القصيدة:
تضمنت القصيدة مجموعة من الأغراض وهي: مقدمة غزلية تقليدية، ووصف الناقة التي تبلغ بالشاعر إلى مبتغاه، وذكر أقوال الوشاة، ثم الانتقال للمدح والاعتذار، وقد سار الشاعر في قصيدته على عادة الشعراء الجاهليين في بناء القصيدة فاستهلها بمقدمة غزلية:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيّم إثرها لم يجز مكبولُ
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا إلّا أغنّ غضيض الطّرف مكحولُ
أرجو وآمل أن تدنو مودتُها وما إخال لدينا منكِ تنويلُ
يذكر الشاعر في بداية قصيدته سعاد التي رحلت بعيدًا دون أن تحفظ العهد، ولكن قلبه ظل معلقًا بها، وشبهها بالغزال الأغن، مكحول العين، واصفًا أسنانها وابتسامتها، ويتنكر لها لخداعها إياه بمواعيدها التي كمواعيد عرقوب المعروف بإخلافه للوعد، وربما يتساءل البعض كيف يذكر الشاعر امرأة ويتغزل بها في حضرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن الجواب على ذلك، أنه تقليد فني من تقاليد القصيدة في الشعر الجاهلي فلم يقصد امرأة بعينها، وقيل أيضًا أنه قصد حياته في الجاهلية التي ستمضي وتنقضي بعد دخوله للإسلام، ثم انتقل إلى وصف الناقة:
أمست سعادُ بأرضٍ لا يُبلّغها إلا العِتاقُ النجيباتُ المراسيلُ
ولن يُبلّغها إلا عُذافرةٌ فيها على الأين إرقالٌ وتبغيلُ
غلباءُ، وجناءُ، علكوم، مُذكرة في دفها سَعةٌ، قُدّامُها مِيلُ
وصف الشاعر ناقته وصفًا دقيقًا تقليدًا وكانت ألفاظه غريبة معقدة، فهي عُذافرة أي شديدة غليظة، تجوب الصحراء بقوة ونشاط ، ولا يثنيها عن ذلك لا الحر ولا التعب، وهنا سار على مظهر آخر من مظاهر القصيدة العربية وهو وصف الرحلة والراحلة، ثم وصف حاله وما وصل إليه وما أجابه الناس عندما استجار بهم:
وقال كل صديق كنت آمله لا أُلهينك إني عنك مشغولُ
فقلتُ: خلوا سبيلي لا أبا لكمُ فكل ما قدر الرحمن مفعولُ
فقال تبرأ مني كل صديق، فرد على من تخلوا عنه بأن خلوا سبيلي فكل ما قدره الله كائن، ثم أخذ يصف للنبي -صلى الله عليه وسلم- حاله عندما أهدر دمه ولكنه يرجوا منه العفو والصفح:
نُبئتُ أن رسولَ اللهِ أوعدني والعفوُ عندَ رسولِ اللهِ مأمولُ
مهلاً هداك الذي أعطاك نافلة القرآن فيها مواعيظٌ وتفصيلُ
لا تأخذني باقوال الوشاة ولم أذنب ولو كثرت فيَّ الأقاويلُ
إني أقوم مقامًا لا يقوم له أرى وأسمع ما لو يسمعِ الفيلُ
حتى وضعتُ يميني ما أنازعها في كف ذي النقمات قوله القيلُ
من خادرٍ من ليوثُ الأسدِ مسكنهُ من بطنِ عثَّر غيلٌ دون غيلُ
مزج الشاعر بين الاعتذار والمدح، فأقر بداية برسالة النبي صلى الله عليه وسلم ثم طلب منه العفو، وخاطبه قائلًا: تمهل هداك الله ولا تأخذني بأقوال الوشاة الباطلة، ثم وصف خوفه وهيبته في موقفه الذي لو وقفه الفيل لارتعد، وصور نفسه بالمقبل على أسد من أقوى الأسود وأجلدها، وأخذ يمدح النبي -صلى الله عليه وسلم-:​
إنَّ الرسولَ لنورٌ يستضاءُ به مهندٌ من سيوفِ اللهِ مسلولُ

فيصف هدى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالنور، وقوته بالسيف، وقيل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سمع هذا البيت خلع بردته ووضعها على الشاعر، إشارة بعفوه عنه، وظلت هذه البردة يتوارثها أبناء وأحفاد كعب حتى اشتراها منهم معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما بعشرين ألف درهم، وتوارثها الخلفاء الأمويون فالعباسيون حتى آلت إلى بني عثمان.
وختم الشاعر قصيدته بمدح المهاجرين:
شُمُّ العرانينِ أَبطالٌ لبوسُهُمُ مِن نَسجِ داوُدَ في الهَيجا سَرابيلُ
لا يفرحون إذا نالت رماحهمُ قومًا وليسوا مجازيعًا إذا نيلوا
لا يقعُ الطعنُ إلا في نحورهمُ وما لهم عن حياضِ الموتِ تهليلُ
امتدح المهاجرين بالبطولة وبأن أنوفهم عالية كناية عن العزة، وأن دروعهم قوية وكأنها من صنع داود، ويُظهر نبلهم في الحرب فلا يغترون بالنصر ولا يجزعون في الهزيمة، وهم شجعانٌ يواجهون الموت ويؤثرونه على الفرار فيُطعنون في صدورهم لا في ظهورهم.

قصائد في مدح الرسول
كثُرت الأقوال والقصائد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، فالمدائح النبوية فن من فنون الشعر وتهتم بمدح النبي -صلى الله عليه وسلم- وذكر صفاته الخَلقية والخُلقية، والتعبير عن المحبة والشوق إليه، تقديرًا وحبًا وتعظيمًا له -عليه الصلاة والسلام-، ومن هذه القصائد: بطيبة َرسمٌ للرسولِ ومعهدُ، لحسان بن ثابت شاعر الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والبردة للبوصيري، ونهج البردة لأحمد شوقي، كما مدحه شوقي أيضًا في قصيدة ولد الهدى، وفيما يأتي بعض المقاطع الشعرية من هذه القصائد:
البردة للبوصيري:
محمدٌ سيدُّ الكونينِ والثَّقَلَيْنِ والفريقينِ من عُربٍ ومن عجمِ
نبينَّا الآمرُ الناهي فلا أحدٌ أبَرَّ في قَوْلِ «لا» مِنْهُ وَلا «نَعَمِ»
هُوَ الحَبيبُ الذي تُرْجَى شَفَاعَتُهُ لِكلِّ هَوْلٍ مِنَ الأهوالِ مُقْتَحَمِ
قصيدة ولد الهدى لأحمد شوقي:
وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ وَفَـمُ الـزَمـانِ تَـبَـسُّـمٌ وَثَناءُ
الـروحُ وَالـمَـلَأُ الـمَلائِكُ حَولَهُ لِـلـديـنِ وَالـدُنـيـا بِهِ بُشَراءُ
وَالـعَـرشُ يَزهو وَالحَظيرَةُ تَزدَهي وَالـمُـنـتَـهى وَالسِدرَةُ العَصماءُ
نهج البردة لأحمد شوقي:
يا جاهِلينَ عَلى الهادي وَدَعوَتِهِ هَل تَجهَلونَ مَكانَ الصادِقِ العَلَمِ
لَقَّبتُموهُ أَمينَ القَومِ في صِغَرٍ وَما الأَمينُ عَلى قَولٍ بِمُتَّهَمِ
فاقَ البُدورَ وَفاقَ الأَنبِياءَ فَكَمْ بِالخُلقِ وَالخَلقِ مِن حُسنٍ وَمِن عِظَمِ