لنهضة العربية و مستقبل اوروبا

ENG MUHAMED

[ADMIN]
طاقم الإدارة
25 فبراير 2008
10,079
43
48
support-ar.net
النهضة العربية ومستقبل أوروبا




لقد كرس منتدى دافوس جلسة لمناقشة "النهضة العربية" بناء على اقتراح "مجلس رجال الأعمال العرب" -الذي تم تأسيسه خلال المؤتمر الاستثنائي التي تم عقده في الأردن في حزيران 2003[1]. وقد وتبنى المشاركون وثيقة تدعو إلى تحقيق نهضة عربية وذلك عن طريق الإقتصاد الحر والإصلاحات، والحكم الراشد (الذي يضمن سلطة القانون والشفافية...) والتطور الإنساني (التعليم، تشجيع البحث العلمي...). هذا النقاش يثير مدى امكانية مساهمة العالم الأوروبي في هذه النهضة حيث أن هذا الأمر يرتبط سلباً وإيجاباً على العلاقات بينهما؛ مع القناعة التامة بأن شمال المتوسط وجنوبه لهما مستقبل موحد يمكن للنهضة العربية أيضاً أن تساهم إيجابياً في بنائه وبالتالي فإن من مصلحة أوروبا (الإقتصادية أيضاً) أن تكف عن إعاقة تلك النهضة كما فعلت دوماً؛ هذا هو موضوع مقالٍ تم نشره حديثاً في جريدة فرنسية تحت نفس العنوان، سنترجم (بتصرف) بعض ما جاء فيه ، لنوفي هذا الموضوع حقه[2].

النهضة العربية

النهضة العربية مصطلح تاريخي يعود إلى حركة عمت البلاد العربية بين سنة 1820 و 1914 قام بها الأعيان العرب، من سياسيين ومثقفين مستلهمين أفكار الثورة الفرنسية وداعين لضرورة تحقيق نهضة عربية وإسلامية على غرار تلك التي جرت في أوروبا عامة وفرنسا خاصة والإستفادة من تجربتها، إذ أن تلك لم تكن قد ظهرت بَعْد كدولة مستعمرة بل كجمهورية للحرية والأخوة والمساواة... فشل العالم العربي في نهاية القرن التاسع عشر بتحقيق تلك الحداثة على غرار الغرب لكنه خرج غنياً بمصادر علمية وثقافية تم استنباطها من حضارتهم نفسها فالمعروف أن الحضارة الغربية منذ نشأتها اعتمدت على الإرث والتجربة الإسلامية، وما الأندلس إلا مثال على ذلك؛ ومن الأسباب الأساسية لفشل تلك النهضة المنشودة هو أن أوروبا أخلفت وعودها التي قطعتها وحلت مكان الإمبراطورية العثمانية كدول مستعمرة. كان الشهيد نعيم خضر من المتخصصين بالحوار الأوروبي العربي ومما قاله خلال لقاء عقد في باريس سنة 1977 بأن هنالك ثلاث "مواعيد ضائعة" للقاء بين أوروبا والعرب: الموعد الأول كان الوعد الأوروبي لمحمد علي بالدعم ضد الإمبراطورية العثمانية سنة 1831 "لتحرير الشعوب العربية وتجميعها في إمبراطورية عربية" ولكنها أوقفته على أبواب القسطنطينية بعد مؤتمر كوتاهيا عام 1833 وهي الإتفاقيات التي بدأت الوصاية على "الرجل المريض"؛ الموعد الثاني كان وعد الإنكليز للشريف حسين بدولة عربية مستقلة مقابل ثورتهم، ولكن تلك الدولة لم ترَ النور أبداً ؛ الموعد الثالث كان الدعم الأوروبي لفكرة وطن قومي لليهود في فلسطين، والعمل على تحقيقه؛ وكان الشهيد نعيم خضر على قناعة بأن الحوار الأوروبي العربي ضروري جداً وصعب جداَ بسبب تاريخ علاقاتهما الأسود وهو يحتاج إلى أن يكون حواراً على المستوى السياسي أيضاً، في الوقت نفسه ركز على أهمية التعاون الاقتصادي والتجاري بين الطرفين[3].

العالم العربي ومستقبل أوروبا الاقتصادي

إننا نشهد حالياً حركة عميقة قد تؤدي إلى نهضة جديدة في العالم العربي والتي تعتمد هذا المرة على أصحاب القرار بما يخص الاقتصاد (رجال الإعمال) والثقافة (الكوادر الجامعية)، الذين انغمسوا في عولمة التبادل والإنفتاح على العالم مطالبين بإجراء إصلاحات جذرية في البلاد العربية وخصوصاً بما يخص تحرير السوق واحترام سلطة القانون ومبادئ الديموقراطية. وإن كان هؤلاء على وعي بقلة وعدم كفاءة مؤسساتهم المحلية إلا أن انشغال أوروبا عنهم بانفتاحها على الشرق يحبطهم إذ أن ذلك يعني بأنها لن تقدم إي مخططات اقتصادية مستقبلية حقيقية. إن مستقبل أوروبا الاقتصادي ومستقبل البلاد العربية مرتبط جداً إذ أن أوروبا في حاجة إلى دول جنوب المتوسط من عدة نواحي:

- إنها في حاجة إلى حيويتهم السكانية إذ أن أوروبا ستفقد –كنسبة- 60 مليون مواطن (عامل) حتى سنة 2050؛

- إنها في حاجة إلى تطورهم الإقتصادي إذ أن أوروبا "الكهلة" ستكون مليئة بأصحاب الدخل أكثر منها برجال أعمال وهذا يعني أنها ستعاني قريباً من تباطؤ في النمو الإقتصادي وزيادة في البطالة وبالتالي تحتاج إلى اقتصاد بديل؛

- إنها بحاجة إلى أسواقهم، إذ أن عدد سكان جنوب المتوسط سيزيد عددهم ليصبح 400 إلى 450 مليون نسمة خلال العشرين سنة القادمة (بحسب تقرير برنامج الأمم المتحدة التنموي لسنة 2002) وبالتالي سيحتاجون إلى تغطية سوقهم بينما يكون هنالك فائض في السوق الأوروبي. ويمكن أخذ فرنسا كمثال لهذا التأثير، ففي دراسة حديثة تبين أنه لو كانت الروابط الاقتصادية والتجارية بين فرنسا ودول المغرب قوية مثل تلك التي تربط اليابان بالصين لكانت نسبة النمو الإقتصادي في فرنسا ستزداد سنوياً بنسبة 0.75 % وستزداد في المغرب بنسبة 0.6 %.

من ناحية أخرى، يحتاج جنوب المتوسط إلى أوروبا قوية إذ أنه سيواجه صدمات لن يستطيع وحده مقاومتها وهي:

- صدمة سكانية إذ أنها ستحتاج إلى خلق 100 مليون فرصة عمل جديدة حتى سنة 2020 (بحسب تقرير منظمة العمل الدولية)؛

- صدمة اقتصادية إذ أن هنالك مشروع لتبني السوق الحر في منطقة الشرق الأوسط سنة 2010 وهو يتناسب مع دخول الصين لمنظمة التجارة العالمية. وهذا يعني ضرورة أن يتم تكييف 30-50% من المؤسسات المحلية مع الواقع الجديد؛

- صدمة سياسية واجتماعية، إذ أن تلك "الحداثة" تفرض تغييرات سريعة: احترام الأشخاص والأملاك، الشفافية، احترام سلطة القانون، روح المبادرة وتشجيع القطاع الخاص ، الحكم الراشد ومحاربة بعض أشكال الفساد.

هذه الحاجة المشتركة بين شمال المتوسط وجنوبه تفتح المجال إلى شراكة يكون فيها الطرفان رابحين. هذه التبادلية تعني بناء "تطور مسنود" دون أن يقوم الشمال "باستعمار" الجنوب؛ تطور يسمح لجنوب المتوسط بسد حاجات سكانه الإقتصادية والاجتماعية ويؤدي إلى إيقاف حركة الهجرة الجماعية "العشوائية" واستبدالها بخطط مدروسة للكفاءات بين شمال المتوسط وجنوبه لتبادل الدخل والمعرفة. هذه هي سياسية أوروبا الجديدة تجاه "جيرانها" والتي تقترح في السنوات 2030-2040 اندماج اقتصادي عن طريق "الحريات الأربعة" (الأشخاص، البضائع، رؤوس الأموال والخدمات) وهي ترتكز أساساً على تقدم الديمقراطية دون أن يكون بالضرورة هنالك أي اندماج مؤسساتي. من الضروري إعطاء الاقتصاد الوزن الذي تحتاجه في العلاقات الأوروبية العربية ومنح المؤسسات التجارية والاقتصادية دوراً أكبر في صنع القرارات الاقتصادية. من الضروري أيضاً أن يتحرك المجتمع المدني ولكن ذلك لا يكفي إذ أننا نحتاج إلى خلق "معمل" يتم فيه تقديم خبرات رجال الأعمال وأفكار المثقفين من كلا الطرفين، ويمكن أن يكون على شكل مركزٍ للحوار الأوروبي – المتوسطي (أو استغلال المبادرات الموجودة حالياً؟) يُشارك فيه جامعيون ورجال أعمال وسياسية ويقترحون أفكار جديدة تهدف لخلق بديل للعملاق الاقتصادي الآسيوي أو الأمريكي.

لا يوجد ما يُبرر استمرار الوضع العربي الحالي

هنالك مظالم تاريخية تعرض لها العرب وهو يفسر الاعتقاد السائد بأن سبب التراجع الاقتصادي والإجتماعي هو النظام الذي تركه الاستعمار والذي يهدف من خلاله التحكم بالبلاد العربية. ذلك التأخر العربي عن باقي الدول هو واقع يمكن إثباته بأرقام، بحسب تقرير برنامج التنمية للأمم المتحدة لسنة 2002: الدخل الإجمالي لـ 22 دولة عربية مجتمعة سنة 2000 بلغ 531.2 بليون دولار وهو أقل من دخل دولة أوروبية متوسطة الحجم مثل إسبانيا؛ تعاني 15 دولة عربية من نقص في مياه الشرب؛ هنالك 65 مليون عربي راشد ما زالوا أميين، ثلثي هذا العدد من النساء؛ 10 ملايين طفل عربي ما زال خارج النظام التعليمي؛ فقط 0.6% عربي يستخدم الانترنيت؛ نسبة العطالة عن العمل 5% وهي الأعلى في الدول النامية؛ كما أن 38% من السكان تحت سن 14 وهذا يعني أنه سيكون هنالك فائض في الأيدي العاملة في المستقبل القريب. إن البحث في أسباب ذلك "التراجع" الواضح في البلاد العربية لا يعفينا من تحمل مسؤوليتنا واتخاذ قرارت حازمة وضرورية على المستوى الفردي والجماعي والمؤسساتي لإجراء الإصلاحات الضرورية التي تضمن حياة كريمة لجميع أفراد المجتمع.



--------------------------------------------------------------------------------

[1] منتدى الاقتصاد العالمي هو لقاء سنوي لرجال الأعمال بحضور وسائل الإعلام ورجال دين وسياسة؛ وقد تم عقده في قرية دافوس في سويسرا بين 21-25/1/2004 تحت عنوان "مشاركة من أجل الأمن والإزدهار". الجلسة كانت تحت عنوان "نحو نهضة عربية" وقد تمت في 22 كانون الأول 2004، ومن بين المشاركين السيد بسام العوضالله وزير التخطيط والتعاون الدولي، الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة أمير البحرين، بالإضافة إلى رجال أعمال عرب مثل السيد محمد العبار والسيد شفيق جبر.

[2] المقال للكاتب Jean-Louis Guigou تم نشره في جريدة Le Monde العدد 18364 (10-12-2004) ص. 15. من الضروري أن نوضح هنا بأن النمو الإقتصادي هو أحد عوامل (أو نتائج؟) النهضة الضرورية للعرب لكننا في الوقت عينه نعتقد بأن تلك النهضة لا تنحصر فقط في عوامل اقتصادية؛ إن كان هذا هو الإنطباع الذي يتركه هذا المقال فإننا نؤكد هنا على عكس ذلك تماماً.

[3] راجع كتاب "الشهيد نعيم خضر رسول فلسطين" (ترجمة وإعداد وتجميع الأب رائد عوض)، 1996، ص. 61-85؛ المحاضرة كانت تحت عنوان "أوروبا-العالم العربي والمواعيد الضائعة". من الواضح أن هنالك مواعيد ضائعة أخرى بين أوروبا والعرب نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: موقف أوروبا المتأرجح من السور الفاصل، والذي كان موضوع مقالٍ لنا تم نشره في مجلة المنار، العدد 654.