اشتراط خلع النقاب .. لماذا !!؟

ENG MUHAMED

[ADMIN]
طاقم الإدارة
25 فبراير 2008
10,079
43
48
support-ar.net
اشتراط خلع النقاب .. لماذا !!؟

ربما يكون موضوعي هذا قديماً نسبياً ؛ لكنه ( يقرقع ) في صدري منذ زمن خصوصاً بعدما رأيت تطاول الكثيرين على جناب ” النقاب ” وتهوين أمر كشف الوجه والاعتقاد بأنه حرية شخصية يسع فيها كل أحدٍ أن يقول على الله بغير علمٍ وأن يسنّ من القوانين ما يحارب هذه الشعيرة العظيمة من شعائر الدين متذرعاً بأن النقاب ليس واجباً أو ليس أصلاً دينياً ، وأنه لا يقول بتغطية الوجه إلا المذهب الحنبلي فقط بخلاف بقيّة مذاهب العلماء ، لا أدري حقيقة أغفل أولئك أم تغافلوا عن أن الإئمة الأربعة جميعاً .. أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد - رحمهم الله - يرون بوجوب تغطية الوجه استدلالاً بالأدلة الشرعية ، وأنه ليس ثمة خلاف بينهم في هذه المسألة إلا في مسألتين : المسألة الأولى هل الوجه والكفان عورة ؟ والمسألة الثانية هل يجب سترهما في الصلاة - وزاد أبو حنيفة القدمين - ؟

أمّا عن ستر الوجه فلم يثبت عن أي منهم - رحمهم الله - ما يفيد جواز كشفه ، وإنما كان الخلاف في حكم كشف الوجه في الصلاة كما قال الأمير الصنعاني - رحمه الله - في سبل السلام ( 1 / 176 ) ” ويباح كشف وجهها حيث لم يأت دليل بتغطيته ، والمراد كشفه عند صلاتها بحيث لا يراها أجنبي ، فهذه عورتها في الصلاة ، وأما عورتها بالنظر إلى نظر الأجنبي إليها فكلها عورة ” .

لم يخالف أحدٌ من سلف الأمة - أهل القرون الثلاثة المفضلة - في ذلك إلا شذوذاً ، بل إن بعض المتأخرين قد حكى إجماع السلف على وجوب تغطية المرأة وجهها كالشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - في كتابه مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ( 5 / 231 ) .

أعجب ممن يتجرأ على حكم الحجاب الشرعي .. وعندما أقول الحجاب فأنا أعني الحجاب الكامل ( نقاب + عباءة ) ، إن من مغالطة الحقائق والوقائع الثابتة الادعاء أن الحجاب هو فقط ما يلف على رأس المرأة المسلمة ويستر شعرها ، بل الحقيقة المعلومة لكل مطّلع وباحث أن الحجاب كان اللبس الإسلامي السائد منذ بزغت شمس الإسلام ونزلت آية الحجاب ، وظل المسلمون منذ عهد النبوة وحتى قبيل عصر الاستعمار متمسكين به ومتشبثين بعراهُ فلا يُرى من المرأة شيء إذا سارت في الشوارع والسكك .

تقول عائشة - رضي الله عنها - : "يرحم الله نساء المهاجرين الأول لما أنزل الله [ وليضربن بخمرهن على جيوبهن ] شققن مروطهن فاختمرن بها" رواه البخاري ، ويقول الامام ابن حجر - رحمه الله - المتوفى سنة 852 هـ ( وهو بالمناسبة شافعي المذهب ) في كتابه فتح الباري ( 9 / 424 ) : "لم تزل عادة النساء قديماً وحديثاً أن يسترن وجوههن عن الأجانب" ، ويقول الغزالي - رحمه الله - في كتابه إحياء علوم الدين ( 2 /53 ) : "لم يزل الرجال على ممر الأزمان مكشوفي الوجوه والنساء يخرجن متنقبات" ، ثم بعد كل هذا يأتينا الشيخ المحقق بكر أبو زيد - رحمه الله - في كتابه حراسة الفضيلة صـ40 ليقرر : "ولم يقل أحد في الإسلام بجواز كشف الوجه واليدين عند وجود الفتنة ورقة الدين وفساد الزمان ، بل هم مجمعون على سترهما كما نقله غير واحد من العلماء ، وهذه الظواهر الإفسادية قائمة في زماننا وهي موجبة لسترهما لو لم يكن أدلة أخرى !" .

إن القارئ في التاريخ والمطالع المتجرّد لأخبار أمتنا سابقاً سيكتشف لا محالة أن لبس الحجاب الكامل الساتر للمرأة من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين كان أصلاً في لباس المرأة المسلمة في كل العالم الإسلامي .. من أفغانستان شرقاً وحتى المغرب غرباً ومن ألبانيا شمالاً وحتى اليمن جنوباً وقد أثبت ذلك صاحب كتاب “ هل يكذب التاريخ ؟ ” بصور منشورة في حينها لا مجال للأخذ والرد فيها ، بل إن الرسام إرهارد رويفيك رسم في القرن الخامس عشر - قبل اختراع الكاميرا - صورة مقارنة بين لباس المرأة المسلمة ولباس المرأة النصرانية ، وقد أدرج مستشرق ألماني تجول في المشرق الإسلامي تلك الصورة في كتابه الذي ألفه عام 1486 م متحدثاً عن حجاب نساء المسلمين ( انظر كتاب الفاضلة نوال العيد “خمار الوجه .. فريضة أم تقليد ؟” ) .

وظل الحال على ما هو عليه من بقاء الاحتجاب والاستتار عن الرجال في صورة من أبهى صور العفة والحياء النسوي إلى أن بدأت دعوات السفور والانحلال تنتشر في العالم الإسلامي بفعل الاستعمار البريطاني والفرنسي مترافقاً ذلك مع زحف العلمانيين نحو سلطة الحكم العثماني ، حتى جاءت أول مشاركة نسائية جريئة من هدى شعراوي ورفيقاتها دعاة التحرير حين خلعن الحجاب والنقاب الذي كُن متلفعاتٍ به في مظاهرة عامة قُمن بها عام 1919 م في مصر كتقدمة لثورات جاءت بعدها على الصعيد الفكري والعملي .

أقول هذا تأسيساً وتأصيلاً لمسألة النقاب الذي صار يُعبث به الآن خصوصاً بعد أن سمعتُ مقاطع صوتية لمديرة مستشفى المانع الأهلي بالخبر في المنطقة الشرقية وهي تتحدث عن منع النقاب وأنه بدعة ( ! ) ولزوم نزعه من العاملات في المستشفى وأن هذا هو قرار وزارة الصحة .. عدا تهجمها على رجال الهيئة !

في الحقيقة .. صار اشتراط خلع النقاب مقابل نيل الوظيفة مقبولاً عند بعض شرائح المجتمع ، وصارت الفتاة - وللأسف - لا تبالي أن تخلع نقابها و تتزيّن ( ! ) ليتم منحها وظيفة تقدمت إليها وهذا من عدم احترام مقام الله في قلوبنا - والله المستعان - .

لم أستغرب ما ذكرته عن مستشفى المانع حيث سبق وحدث أن إحدى الطبيبات المتميزات تقدمت للعمل فيه فاشترطوا عليها خلع النقاب فرفضت أختنا أسأل الله لها الثبات ، ولكن أن يتم ذلك بهذه الصورة التعسّفية المبتزة لدين وأخلاقيّات الناس فهذه والله وقاحة ما بعدها وقاحة ، والأوقح من هذا الفعل الشنيع هو محاولة ترسيمه وجعله أمراً رسمياً من قبل الجهات المسؤولة وهو في الحقيقة كذب × كذب ، وقد تحدّثت عن هذا الموضوع مدونة بوح نفس بشيء من تفصيل .

هذا عدا ما أشارت إليه مدونة ندى الفجر في موضوع "ماذا تريدون نقابها أم عقلها ؟!!" عندما تطرقت إلى ابتزاز فتاة سعودية أرادات العمل في مؤسسة أهلية وإجبارها أن تخلع نقابها مقابل العمل ، وزاد الجرم قبحاً إدّعاء أن هذا مُصرّح به من مكتب العمل بالدمام ، وعند السؤال الشخصي تبيّن أن هذا أيضاً كذب × كذب .. وحسبنا الله ونعم الوكيل !

إن الحجاب قبل أن يكون قماشاً يُلف حول الرأس ويُغطى به الوجه .. هو عبادة ربّانية أمرنا بها من رب العالمين لا يسعنا إلا امتثالها والإذعان لأمر الله لنا بها سواءاً أرضينا أم سخطنا .. وسواء أأحببناه أم كرهناه ، ثم بعد ذلك كحكمة بليغة حافظاً للمجتمع ناشراً للطهر والنقاء بين الرجل والمرأة كما قال الله - تعالى - [ ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهنّ ] .

نعلم يقيناً ونؤمن أن النساء شقائق الرجال ولهنّ حقوق كما للرجال أيضاً ، وإن من كمال صيانة حق المرأة أن تُحفظ لها كرامتها ويُصان لها شرفها دون ابتزازٍ من أحد ، ونحن ندرك أن الرجل العفيف يصون المرأة النقيّة وكذلك أن المرأة الصالحة تصون بيتها وعرضها ، لسنا نفترض أن الرجل - شرقي كان أو غربي - كائن شهواني حيواني بهيمي يرغب في قضاء وطره في أي امرأة يجدها ، كذلك لسنا نفترض أن المرأة وعاء متاح لأي أحد ليأخذ منه حاجته ويذهب ، لكننا نبحث عن الكمال .. عن السمو .. عن أن لا يكون ثَمّ دغل في الصدور .. عن أن لا تنشأ علاقات غرامية تعصف في القلوب والبيوت .. عن أن لا يكون للشيطان طريق ولا باب .. عن أن تكون المرأة حصناً منيعاً لا يسع أحداً دخوله إلا أهله .

ثم إن بعد كل ما قلته من وجوب النقاب شرعاً وأنه هو الحجاب الذي أمرنا بها .. أتعجب من استخفاف البعض بحرّية الناس ، لمَ يُهان الناس وتُبتز حريّاتهم الشخصية مقابل كسرة الخبز !!؟ هل وصل بنا الأمر لاتباع طريقة المنصرين بمقايضة الطعام واللباس بتغيير المعتقد !!؟ أعتقد أن لكل إنسانٍ الحق في أن يرتدي ما تمليه عليه حريته الشخصية ، هذا حق يكفله له كونه إنساناً له حق الاختيار .. فكيف إذا كان اختياره هذا نابعاً عن معتقده !!؟ فكيف إذا كان اختياره هذا في دولة تدّعي أنها حامية عقيدته !!؟

سبق وأن كتبت مقالاً قبل أشهر حول مشكلة مرّت بها طالبة إمارتيةّ أجبرت على خلع نقابها إن أرادت الاستمرار في كلية الطب ، وذكرت أني مصدوم لما آل إليه الأمر في دولة الإمارات الحبيبة ، فإذا بي أفاجأ بأن بلادنا بدأت تسير على هذا النحو .

إننا نحتاج حقاً لو قفة جادة في وجه تيار الفساد ، ما زال هو الآن في بداياته يغمرنا كمثل الموجات البسيطة التي لا تجرؤ أن تصادم صخرات الشاطيء الصلبة ، ولكن سيأتي اليوم - إن لم نحسن إيقاف الفاسد ببناء سد منيع - الذي نُغمر فيه بموجة فساد لا قِبل لنا بها .

ختاماً …
لما تكاثرت الحوادث المشابهة لما ذكرت ؛ ألححت على والدي - جزاه الله خيراً - أن يستفسر عن الأمر ويحاول إصلاحه ، فدخل على أحد معارفه وهو سعادة مدير عام مكتب العمل بالمنطقة الشرقية واستفسر منه ، فأبدى سعادته تذمّره من الوضع المذكور ، وطالب كل من يوجه مشكلة كالتي ذكرت أن يتقدّم إلى مكتب العمل بشكوى وهو يعد - إن شاء الله - بحل الإشكال ، وأهدى والدي كتيباً يتحدّث عن القواعد المنظمة لعمل المرأة في القطاع الأهلي .

أسأل الله أن يصلح حالنا وأن يهدي ضال المسلمين …
أسأل الله أن يصلح حالنا وأن يهدي ضال المسلمين …



كتبه الفقير إلى عفو ربّه ..
يحيى السليم
http://www.al5loq.com/blog/?p=152

[منقول ، للفائدة العامة]