شرح قصيدة بان الخليط

Zohoor Alreef

عضو جديد
23 نوفمبر 2018
182
1
0
33
شرح قصيدة بان الخليط

شرح-قصيدة-بان-الخليط.jpg


جرير
هو جرير بن عطية الكلبي اليربوعي التميميّ، من بني تميم في نجد، وُلِدَ في بادية نجد عام 653م، وقد أكَّد هو مكان مولدِهِ في قصائده، وهو أحد أشهر شعراء العربية في التاريخ، اشتهر بالهجاء وكانَ سليطَ اللسان فيه، واشتهر بالمدح وكانَ بارعًا فيه أيضًا، وهو أحد أشعر شعراء عصرِهِ، وكانَ يشتهر بمساجلاته مع الفرزدق والأخطل والراعي النميري، فظل يهجو الفرزدق ويهجوه الفرزدق أربعين عامًا، وقد تُوفِّيَ في نجد حيث وُلِدَ عام 728م، وقد اشتهرت له كثير من القصائد، وفي هذا المقال سيتم تسليط الضوء على قصيدته بان الخليط وشرحها وإظهار الصور الفنية الواردة فيها.



شرح قصيدة بان الخليط
بعد ما وردَ من تعريف عن الشاعر جرير بن عطيّة، لا بدَّ من المرور والتحليل في إحدى قصائده، وسيكون هذا التحليل والشرح في قصيدته بان الخليط وهي قصيدة عمودية من البحر البسيط، فيها من الشوق والحنين للحبية ما فيها، وقد أصرّ جرير على أن يقف وقفة الشعراء الجاهليين، فقال فيها: 2)
بان الخليط وَلَوْ طُوِّعْتُ ما بَانَا وقطعوا منْ حبالِ الوصلِ أقرانا
حَيِّ المَنَازِلَ إذْ لا نَبْتَغي بَدَلاً بِالدارِ داراً، وَلا الجِيرَانِ جِيرَانَا
يُصرُّ جرير بن عطية على أن يقف وقفة الشعراء الجاهليين في مطلع قصيدته هذه، فيفتتحها بشكل خفيٍّ بمظهر الظعائن التي تغادر أماكنها وكأنه واقف على طلل يشاهد آثار ديار محبوبته، ومعنى بان أي ابتعد وغاب، والخليط هو الصاحب ويقصد هنا المحبوبة، فيصف في مطلع النص غياب محبوبته وتقطيعها حبال الوصل بينها وبينه، ثم يحيِّي جرير ديارها ويؤكّد أنَّه لن يستبدلَ هذه الديار بأيِّ دار أخرى ولن يقبلَ غير أهلها جيرانًا له.
قَدْ كنْتُ في أثَرِ الأظْعانِ ذا طَرَبٍ مروعًا منْ حذارِ البينِ محزانا
يا ربَّ مكتئبٍ لوْ قدْ نعيتُ لهُ بَاكٍ، وآخَرَ مَسْرُورٍ بِمَنْعَانَا
لوْ تعلمينَ الذي نلقى أويتِ لنا أوْ تَسْمَعِينَ إلى ذي العرْشِ شكوَانَا
كصاحبِ الموجِ إذْ مالتْ سفينتهُ يدعو إلى اللهِ إسراراً وإعلانا
ثمِّ يواصل جرير في هذه الأبيات وصفَهُ للأظعان والظعن هو الترحال والتنقل الذي كانت تقوم به قبائل العرب في تلك الأيام بحثًا عن الماء والكلأ، فيصفه حالَهُ وشدة حزنه التي يلاقيها بعد فراق محبوبته، ثم يصف حال الناس الذين يشاهدون شدّة حزنه على فراق أحبته، فهم مختلفون بين باكٍ عليه ومسرور لحاله، ثمَّ يخاطب محبوبته فيقول: لو كنت تعلمين ما حلَّ بي بعد فراقك ولو كنت تسمعين شدّة ابتهالي ودعائي إلى رب العرش، لكنت عدتِ إليَّ، ثمَّ يأتي بتشبيه تمثيلي يصف فيه ويشبه فيه شدّة حزنه ومأساته ببحّار في البحر هاجت به العواصف فماج به البحر فأصبحت يبتهل ويتضرّع إلى الله خشية الهلاك.
يا أيّهَا الرّاكِبُ المُزْجي مَطيّتَهُ بَلِّغْ تَحِيّتَنَا، لُقّيتَ حُمْلانَا
بلغْ رسائلَ عنا خفَّ محملها عَلى قَلائِصَ لمْ يَحْمِلْنَ حِيرَانَا
كيما نقولَ إذا بلغتَ حاجتا أنْتَ الأمِينُ، إذا مُستَأمَنٌ خَانَا
ثمَّ يخاطب الشاعر أحد الراحلين من أهل محبوبته ويطلب منه أن يبلغ التحية للحبيبة، ويحمِّلُهُ التحايا والأشواق الرسائل التي لم يستطع هو إيصالها لمحبوبته، ثمَّ يرغّب هذا الراحل بشيء من المديح فيقول له: إذا بلّغت تحياتنا ستكون أنت الأمين الوحيد في زمن غاب فيه الأمناء والصادقون.
يا أمَّ عمرو جزاكَ اللهُ مغفرةً رُدّي عَلَيّ فُؤادي كالّذي كانَا

لا بَارَكَ الله في الدّنْيَا إذا انقَطَعَتْ أسبابُ دنياكِ منْ أسبابِ دنيانا
ثمَّ ينتقل جرير بمخاطبة محبوبته والتي يسمِّيها في هذا النص بأمِّ عمرو، فيدعو لها بالمغفرة لقاء أن تردَّ له فؤادَهُ المحزون وتجبر كسرَ قلبِهِ الذي انكسر بعد فراقِهِ إيّاها، ثمّّ يدعو على هذه الدنيا بعدم البركة إذا غابت الحبيبة وإذا تقطّعت أسباب التلاقي بينه وبينها.
إِنَّ العُيونَ الَّتي في طَرفِها حَوَرٌ قَتَلنَنا ثُمَّ لَم يُحيِينَ قَتلانا
يَصرَعنَ ذا اللُبَّ حَتّى لا حِراكَ بِهِ وَهُنَّ أَضعَفُ خَلقِ اللَهِ أَركانا
يصف جرير في هذين البيتين عيونَ حبيبته الحوراء الواسعة، التي تسبي العقول وتقتل من شدة جمالها وتترك الناظر إليها صريعًا لا حراكَ به، مع أنَّها من أضعف ما خلقَ الله تعالى وأنعم وألطف.
يا حبذا جبلُ الريانِ منْ جبلٍ وَحَبّذا ساكِنُ الرّيّانِ مَنْ كَانَا
وَحَبّذا نَفَحَاتٌ مِنْ يَمَانِيةٍ تأتيكَ من قبلَ الريانِ أحيانا
ثمّ وفي آخر أبيات قصيدته بان الخليط يحدِّدُ جرير مكان حبيبته وموضعها، بأسلوب مدح، فيمدح جبل الريان وهو جبل قريب من اليمن سكنت فيه قبيلة المحبوبة ويمدح ساكن تلكَ المنطقة أيًّا كان، ثمَّ يشيد بنفحات ونسائم اليمن التي تأتي من جهة الرِّيان مكان إقامة المحبوبة مظهرًا شوقَهُ وحبَّهُ الذين لا يحتملها قلبٌ ولا عقل.

الصور الفنية في قصيدة بان الخليط
لقدَ أظهر جرير بن عطية براعته الكبيرة وشاعريته في قصيدته بان الخليط بطريقة ذكية، فقد استطاع أن يصوّر شدّة حزنه بطريقة شاعرية بامتياز، فاستطاع أن يصوُّرَ مأساته بكثير من الصور الفنية العالية التي لا يجيدها إلا شاعر مثله، وأظهر براعته اللغوية في كثير من التشبيهات التي أتى بها، ولعلَّ أبلغ ما قاله هو قوله في وصف عيون حبيبته:
إِنَّ العُيونَ الَّتي في طَرفِها حَوَرٌ قَتَلنَنا ثُمَّ لَم يُحيِينَ قَتلانا
يَصرَعنَ ذا اللُبَّ حَتّى لا حِراكَ بِهِ وَهُنَّ أَضعَفُ خَلقِ اللَهِ أَركانا
وقد استخدم جرير التشبيه والتصوير الفني البديع في بدايات نصه حين شبه حاله بحال الذي ماج به البحر وأصبح قريبًا من الهلاك فصار يدعو ويتضرع إلى الله تعالى لكي ينجيه مما حلَّ به، فقال:
لوْ تعلمينَ الذي نلقى أويتِ لنا أوْ تَسْمَعِينَ إلى ذي العرْشِ شكوَانَا
كصاحبِ الموجِ إذْ مالتْ سفينتهُ يدعو إلى اللهِ إسراراً وإعلانا
فكانَ جرير شاعرًا من أعظم شعراء العربية على الإطلاق، استطاع أن يخلد في ذاكرة الأدب العربي إلى ما شاء الله تعالى​