دفـتـر الـحب

12 سبتمبر 2010
29
0
0

دفــتـر الــحـب



بقلم : هشام ابراهيم الأخرس - البستنجي


عندما كنّا صغاراً يافعين و عند بلوغنا سن الحب كان يمتلك كل واحد فينا دفتراً للحب وهو إما أجندة قديمة أو دفتر أربعة وستين أكل عليه الدهر وشرب و كان دفتر الحب لميسوري الحال هو دفترآ مخصصآ لذلك و يشرى من المكتبات و كان زهري اللون للبنات و كان للأطفال مثلنا مرسومآ عليه صورة لمركبة أو كرة او لوحة سريالية غير مفهومة إمعانآ في الثقافة .
كان دفتر الحب تقليد أعمى عند جيلنا الموغل في التعب و الحب الإفتراضي و كان دفتري الخاص بالحب هو عبارة عن إجندة كنت قد أخذتها من أشياء أبي و قد خسرت من أولها عشر صفحات و أغلبها مكتوب فيها كلمات و حسابات لم افهم أغلبها ولكن تذكرت منها أجور عمال و ثمن محروقات و أجور مواصلات و أشياء اخرى شبيهه .
كان هناك تقليد لدفتر الحب و هو وضع وردة جورية تتوسط أوراقه و على إعتبار أنها هدية من الحبيبة و كنا نتفاخر أمام أصدقائنا بأن هذة الوردة من حبيبة ما و لا نذكر الأسم ليبقى الشك في قلب الصديق و الحسد و الغيرة و كان دفتري يحتوي على خمس وردات موزعات بين الأوراق و كان يحتوي على ريشة نعام كنت قد سللتها من منفظة غبار في دكان ابوتوفيق و لا أدري ما سبب وجودها و ما هو لزومها إلا أنني شاهدتها في دفتر صديق و قال لي ذات كذبة أنها هدية من فاطمة و فاطمة بنت سمراء ناعمة تسكن طرف الحي و كنا نتسابق على الأفتراء على علاقة معها .
و دفتر الحب عند البنات كان له طابع خاص فهو معطر ناعم زهري اللون و فيه كثيرآ من الكذب كدفاترنا و أذكر مرة أن حصلت على دفترآ لإحدى البنات بمحض الصدفة ، حيث وجدت الدفتر في قمامتهم و كنت هاويا و محترفآ في فن البحث في أكياس القمامة وكان أن هربت بالدفتر كمن وجد كنزآ ، فتحت الدفتر على أغصان تينتنا و بعيدآ عن أعين حسادي من الأطفال الأشقياء ، و وجدت فيه طعمآ للحب الحقيقي الذي نتمناه و كان في كل صفحة خاطرة و قد ذيلت بأسمها المشرف ( عاشقة من فلسطين ) و عندما انهيت قراءة دفترها أصابتني غصة في القلب و حمة في البال و خبأت دفترها على صدري و ذهبت لأحضر دفتري الغبي الوضيع و مزقت أوراقه و قررت منذ ذلك اليوم أن تكون معشوقتي فلسطين .
كانت هذا نقطة تحول في حياتي و حفظت كل خواطر هذا الدفتر و كلماته حيث كان دفترآ ثوريآ وطنيآ و توسط اوراقه صورة لجيفارة و اخرى لخليل الوزير و شعارآ جميلآ لمنظمة التحرير .
كان دفتر تلك العاشقة التي تربت على حب فلسطين هو الذي جعلني أعيد حسابات طفولتي المـشـاغبة و بدأت عندي مرحلة جديدة و مسار أخر بدء مبكرآ و تعشعش الحنين للوطن منذ ذلك الحين و خربشت على الجدران في كل مكان احرف فلسطين و أعلنت أنتمائي للجرحى و الأسرى و الشهداء و سجلت في دفترها كلمة اخيرة . . . انا ( عاشق من فلسطين ) . . . وأحرقت دفترها بعد زمن خوفآ عليها من الحساد و العابثين الأبرياء ، و حجزت لي مقعدآ مبكرآ مع جيل الشباب و لم يتجاوز عمري بعد الأحد عشر عامآ .
سلامآ عليك يا عاشقة من فلسطين
سلامآ عليك حيث كنتي و حيث تصنعين جيلآ كاملآ من الثوار و تزرعين حب فلسطين في قلوبنا منذ الصغر
سلامآ عليك



هشام ابراهيم الأخرس البستنجي

شبكة الشباب الإخبارية