النائب البرلماني العجيب!!

الميثاق

عضو جديد
18 أكتوبر 2009
15
0
0



سرحان محنه
serhanmihna@yahoo.com

كان قد رشح إسمه إلى الإنتخابات بطريقة مشروعة ولا غبار عليها ليفوز وينتخب فيما بعد عضواً في البرلمان ضمن إحدى الكتل ، لكنه ما أن وجد نفسه في مواجهة نفسه ونوازعها حتى إكتشف وكأن إنفجاراً نووياً يمور بداخله ، فأول ما فعله تسبب في فقدان علاقته بالكثير من معارفه وأقاربه ، عندما بدأ بعضهم بالإتصال به لـ (يوسطونه) من أجل الحصول على وظائف في الدولة ، فهم - في نظره - لا يستحقون ما يطلبون إلى أن تكتشف جهة مكلفة المناسب منهم ليتم وضعه في المكان المناسب !! ، وفي زحمة زعل المعارف والأقرباء والأصدقاء والجيران قال للجميع : "أنا أحد ممثلي الشعب وليس فقط ممثلاً لكتلتي أو لكم ، أرجو أن تفهموا أن الواسطة غير المشروعة لدي عمل غير أخلاقي وغير مشروع ، لأنها تتنافى مع ما تعنيه لدي عضوية البرلمان ، فضلاً عن أنها خروج عن القانون ، وسحق على إنسانية المستحقين .. ولا أظن أن أحداً منكم يرضى أن أكون خارجاً على القانون وأنا في عضوية مجلس النواب !"، وحين رأى إمتعاض بعض الوجوه قال لهم : " إئتوني بشخص كفء أو مستحق لرعاية الدولة ولم ينصفه أحد ، وسترون أنني سأقيم حرباً لأجل وضعه في المكان المناسب" . كان من أوائل الدعاة لتطبيق مبدأ الشفافية في حياة وممتلكات النائب البرلماني حيث طالب بتشريع وتفعيل قانون "من أين لك هذا "، ولم يكف عن هذا الأمر كلما وجد فرصة سانحة ، وأكثر من ذلك أنه قدم لرئيس البرلمان قائمة تتضمن جرداً تفصيلياً بكل موجوداته وممتلكاته هنا وهناك !! ، وعندما علم أن راتبه أكثر من حاجته قرر التبرع بجزء منه إلى من يستحق، وعلى عكس توقعات بعض أقاربه من أنه "ناكر للدم واللحم" إبتدأ بأقرب الناس اليه دماً أوعاطفة مجرياً لبعضهم راتباً مقداره 150 الف دينار من جيبه الخاص قبل أن تتمكن هذه الأسر من الحصول على رواتب الرعاية الإجتماعية، والأكثر من ذلك أنه بات يبحث عن الفقراء ممن لا يستطيع كل منهم دفع تكاليف إجراء عملية جراحية لإنقاذ صحته أو عزيز عليه ليجريها على حسابه الخاص في الداخل ، وتعهد بدفع إيجار شهري لمدة عام لأسرتين لا تمتلكان سقفاً يأوي أطفالهما. لم يغب هذا النائب يوماً عن جلسات البرلمان إلا مرتين لأنه يعتبر الحضور اليها أمراً مقدساً بل في غاية القداسة ، في المرة الأولى كان مريضاً جداً وقد أكد هذا الأمر بتقرير طبي مصدق يؤكد إجازته المرضية وفي المرة الثانية كان قد زار أسرة فقيرة في إحدى القرى ثم حبس نفسه لديها وتنكر عن الناس لمدة يومين ليرى بأم عينه كيف يعيش المواطن تحت أوضاع خدمية سيئة حيث لا كهرباء ولا ماء ولا ولا ولا... الخ . كان - وما زال - الوحيد الذي يعارض دوماً الحصول على مزيد من الإمتيازات لأعضاء مجلس النواب، وكان في كل مرة يكتب على لائحة إستلام المبالغ الإضافية أمام إسمه عبارة ( أعتذر عن إستلام المبلغ وأرجو إعادته إلى خزينة الدولة ) . هذا النائب يكره السفر إلى الخارج بشدة لكنه يعشقه إذا كان إلى الداخل إلا في الحالات التي يُستوجب فيها سفره لأمر يتصل بقرار يهم المصلحة العامة ، وغالباً ما يعتذر عن السفر إلى الخارج إذا وجد أن القضية لا تستحق ترك عمله ، فيترك الفرصة سانحة لهواة السفر الدائم !.
أول ما فعله بعد فترة من إنتخابه عضواً لمجلس النواب أنه تنصل عن الإنحياز لكتلته في الوظائف العامة )، فلم يعد يؤيد ترشيح هذا أو ذاك لمنصب ما لأنه من كتلته بل كان يؤكد دوماً على الكفاءة ووضع الإنسان المناسب في وظيفة مناسبة يكون كفءاً لها ، وعادلاً ، ً لأداء مهام عمله بغض النظر عن إنتمائه عرقياً أو طائفياً أو حزبياً .
نائبنا هو أقل لنواب عدداً في أفراد الحماية وليس في حمايته من أقاربه غير إثنين فقط، فيما إختار الباقين من أولاد الفقراء الذين تضرروا في زمن السلطة السابقة فهو يعتقد أنهم الأقدر والأصدق في حماية من يعتقد أنه يعمل لشعبه لا لمصالحه . عجيب أمر هذا النائب البرلماني ، فيه من السجايا ما لم تتضح بغيره ، أنه نسخة عراقية أصيلة فذة كان يعتقد أن السياسة وأطماعها والمناصب وامتيازاتها والأموال وسطواتها قد طمرتها مع آثار من طمروا ، لكن ما حدث أنها عادت وظهرت في العراق .. مع أن كل الدلائل تشير أن لا وجود لها في جميع برلمانات العالم بكل عوالمها الرأسمالية والإشتراكية والإسلامية والدكتاتورية، هذا النائب لعله (طفرة وراثية) لا تتكرر في عالم السياسة، الغريب في الأمر أن أحداً لم يرصده إلى الآن مع أنه ظاهر كالشمس للجميع ، والأغرب أن مترصديه لم يستطيعوا الوصول اليه والخلاص منه مع أنهم حاولوا اغتياله عشرات المرات ! ، لم يكتب عنه أحد على حد علمي، ورغم أنني أكره بشدة مقالات المدح وكاتبيها لكنني سأظل أمدح بهذا النائب العجيب ما حييت وسأكتب عنه القصائد والملاحم والقصص عندما أصبح أديباً (كبيراً) !! . من بين مزاياه أيضاً أنه لايسكن في المنطقة الخضراء بل في أحد أحياء بغداد، وبسبب الوضع الأمني إضطر للقبول بنصب نقطتي حراسة في مدخل ومخرج الشارع الذي يسكن فيه، أما أخطر مزاياه فهي أنه من الد أعداء إحالة النائب على التقاعد بعد إنتهاء مهام عمله في الدورة الإنتخابية ، وقد طالب بإلغاء هذا القرار لأنه يعتبر أغلب من تقاعدوا من (البرلمان السابق) هم الآن عالة على الإقتصاد العراقي ، حيث يتقاضون مبالغ طائلة وهم عاطلون عن العمل وأغلبهم في كامل قواهم العقلية والجسمية، فضلاً عن أن الكثير منهم عادوا إلى أوطانهم البديلة بتقاعد يحلم به من يعمل لمدة 100 عام في تكسير الحجر ! . هذا النائب العجيب يعتبر مهامه في البرلمان تشريف في خدمة الشعب وتنسيب وظيفي لفترة لا تتجاوز أربع سنوات أو ثمان ليعود بعدها كأي مواطن يعيش من وظيفة تناسب مؤهلاته بين مواطنيه . نائبنا إلى الآن لا يملك بيتاً وليس لديه فائض من المال يكفي لشراء قطعة أرض (محترمة) يبنيها لأسرته لأنه (يبذر) أمواله على الفقراء والمعوزين .
يعرف جيداً أسماء كل الصحف والمجلات العراقية ووسائل الإعلام العراقية والعربية والأجنبية ويتابع ما ينشر فيها من شكاوى المواطنين ومقالات الرأي ، يكتب أحياناً بعض المقالات ويرسلها إلى الصحف لكنه يشترط عليها أن تنشر في مقالات الرأي من دون تمييز !. وهو أيضاً متابع جيد لكل ما يكتب عن مجلس النواب يدافع عنه حتى بأسنانه عندما يجد أن هناك من يستهين به كمنبر حر جديد للشعب العراقي وإن تصارع بداخله بعض المتصارعين ، لكنه يؤكد على كل مثالب عمل البرلمان عندما يرى تشخيصاً سليماً ، موضوعياً ومنصفاً لما يعتري مجلسه من مشاكل ومعوقات من قبل ناقد أو كاتب أو مواطن بسيط ، نائبنا قارئ جيد ويطلّع بإستمرارعلى التجارب البرلمانية في العالم وكثيراً ما يكتب أو يحاضر بهذا الشأن .

ملاحظة مهمة جداً لمعرفة النائب : "في حياة كل عراقي نائبان برلمانيان، واحد يصنعه خياله وآخر لم يولد بعد *.
ــــــــــــــــــــــ
*العبارة مستوحاة من حكمة قالها الشاعر الكبير جبران خليل جبران : ( في حياة كل رجل إمرأتان واحدة يصنعها خياله وأخرى لم تولد بعد) .